الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء (نسخة منقحة)
.التاريخ الإسلامي: .سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وذكر شيء من شرف بيته الطاهر: أما أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو عبد الله بن عبد المُطلب المذكور، وكانت ولادة عَبْد الله المذكور قبل الفيل بخمس وعشرين سنة، وكان أبوه يحبه لأنه كان أحسن أولاده وأعفهم، وكان أبوه قد بعثه يمتار له، فمر عبد الله المذكور بيثرب فمات بها، ولرسول اللّه صلى الله عليه وسلم شهران، وقيل كان حملاً، ودفن عبد الله في دار الحارث بن إبراهيم بن سراقة العدوي، وهم أخوال عبد المطلب، وقيل دفن بدار النابغة ببني النجار. وجميع ما خلفه عبد الله خمسة أجمال وجارية حبشية، اسمها بركة وكنيتها أم أيمن، وهي حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوج عبد الله، وأبوه عبد المطلب، وأمّا آمنة أمّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فهي آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، وهو قريش، فخطب عبد المطلب من وهب المذكور- وكان وهب حينئذ سيد بني زهرة- ابنته آمنة، لعبد الله، فزوّجه بها، فولدت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، يوم الاثنين، لعشر خلون من ربيع الأول، من عام الفيل. وكان قدوم الفيل في منتصف المحرّم تلك السنة، وهي السنة الثامنة والأربعون من ملك كسرى أنوشروان، وهي سنة إحدى وثمانين وثمانمائة لغلبة الإسكندر على دارا، وهي سنة ألف وثلاثمائة وست عشرة لبخت نصر.ومن دلائل النبوة للحافظ أبي بكر أحمد البيهقي الشافعي قال: وفي اليوم السابع من ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذبح جده عبد المطلب عنه، ودعا له قريشاً، فلما أكلوا قالوا: يا عبد المطلب، أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه، ما سميته؟ قال: سميته محمداً. قالوا: فيم رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال: أردت أن يحمده الله تعالى في السماء، وخلقه في الأرض، وروى الحافظ المذكور بإسناده المتصل بالعباس رضي الله عنه قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم مختوناً مسروراً. قال: فأعجب جده عبد المطلب، وحظي عنده، وقال: ليكونن لابني هذا شأن.وذكر الحافظ المذكور إسناداً ينتهي إلى مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها رسول الَله صلى الله عليه وسلم، ارتجس إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان وهو قاضي الفرس في منامه إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، واجتمع بالموبذان فقص عليه ما رأى، فقال كسرى: أي شيء يكون هذا، فقال الموبذان: وكان عالماً بما يكون، حدث من جهة العرب أمر. فكتب كسرى إلى النعمان بن المنذر: أما بعد: فوجه إليّ برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجّه النعمان بعبد المسيح بن عمرو بن حنان الغساني. فأخبره كسرى بما كان من ارتجاس الإيوان وغيره فقال له: علم ذلك عند خال لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح. قال كسرى فاذهب إليه وسله وأتني بتأويل ما عنده. فسار عبد المسيح حتى قدم على سطيح وقد أشفى على الموت، فسلم عليه وحياه، فلم يحر جواباً فأنشد عبد المسيح يقول:قال: ففتح سطيح عينيه ثم قال: عبد المسيح، على جمل مشيح، أتى إلى سطيح، وقد أوفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان، لارتجاس الإيوان، وخمود النيران، ورؤيا الموبذان، رأى إبلاً صعاباً تقوم خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها. يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة، وخمدت نار فارس، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، فليس الشام لسطيح شاماً، يملك منهم ملوك وملكات، على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه، ثم قدم عبد المسيح على كسرى وأخبره بقول سطيح، فقال: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكاً كانت أمور فملك منهم عشرة في أربع سنين، وذكر في العقد أن سطيحاً كان على زمن نزار بن معد بن عدنان، وهو الذي قسم الميراث بين بني نزار وهم مضر وأخوته.وأما شرف النبي صلى الله عليه وسلم، وشرف أهل بيته، فقد روى الحافظ البيهقي المذكور، بإسناد يرفعه إلى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم. قال: قلت يا رسول الله، إن قريشاً إذا التقوا، لقي بعضهم بعضاً بالبشاشة، وإذا لقونا، لقونا بوجوه لا نعرفها. فغضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، عند ذلك غضباً شديداً، ثم قال: «والذي نفس محمد بيده، لا يدخل قلب رجل الإيمان، حتى يحبكم لله ولرسوله».وذكر في موضع آخر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: إنا لقعود بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ مرت به امرأة، فقال بعض القوم: هذه بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو سُفيان: مثل محمد في بني هشام مثل الريحانة في وسط النتن. فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب فقال: «ما بال أقوام تبلغني عن أقوام، إنَّ الله عز وجل خلق السموات سبعاً، فاختار العُلى منها، فأسكنها من شاء من خلقه، ثم خلق الخلق، فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم».وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي جبرائيل، قلبت الأرض مشارقها ومغاربها، فلم أجد رجلاً أفضل من مُحمد، وقلبت الأرضَ مشارقها ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم. .نسب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: قد تقدم في آخر الفصل الخامس ذكر بني إسماعيل عليه السلام الذين على عمود نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخارجين عن عمود النسب. وأما نسبة عليه السلام سرداً، فهو أبو القاسم، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.ونسبه صلى الله عليه وسلم إلى عدنان، متفق عليه من غير خلاف، وعدنان من ولد إسماعيل ابن إبراهيم الخليل عليهما السلام من غير خلاف، ولكن الخلاف في عدة الآباء الذين بين عدنان وإسماعيل عليه السلام فعد بعضهم بينهما نحو أربعين رجلاً، وعد بعضهم سبعة، وروي عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عدنان بن أدد بن زيد بن برا بن أعراق الثرى. فقالت أم سلمة: زيد هميسع وبرا نبت وإسماعيل أعراق الثرى.والذي ذكره البيهقي قال: عدنان بن أدد بن المقوم بن ناحور بن تارح بن يعرب بن يشحب بن نابت بن إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلام.وأما الذي ذكره الجواني النسابة في شجرة النسب وهو المختار: فهو عدنان بن أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيذار بن إسماعيل عليه السلام، وقد تقدم نسب إسماعيل مع نسب إبراهيم الخليل عليهما السلام، مستقصى في موضعه من الفصل الأول فأغنى عن الإعادة. قال: البيهقي المذكور وكان شيخنا أبو عبد الله الحافظ يقول نسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة إلى عدنان وما وراء عدنان فليس فيه شيء يعتمد عليه..رضاع رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأول من أرضعته بعد أمه ثويبة مولاة عمه أبي لهب، وكان لثويبة المذكورة ابن اسمه مسروح، فأرضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن ابنها مسموح المذكور، وأرضعت أيضاً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلبن مسروح المذكور، حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبا سلمة ابن عبد الأسد المخزومي، فهما أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع.رضاعه صلى الله عليه وسلم من حليمة السعدية:كانت المراضع يقدمن من البادية إلى مكة، يطلبن أن يرضعن الأطفال فقدمت عدة منهن، وأخذت كل واحدة طفلاً، ولم تجد حليمة طفلاً تأخذه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يتيماً قد مات أبوه عبد الله، فلذلك لم يرغبن في أخذه، لأنهن كن يرجين الخير من أبي الطفل، ولا يرجين أمه، فأخذته حليمة بنت أبي ذؤيب بن الحارث السعدية، وتسلمته من أمه آمنة وأرضعته، ومضت به إلى بلادها، وهي بادية بني سعد، فوجدت من الخير والبركة ما لم تعهده قبل ذلك، ثم قدمت به إلى مكة، وهي أحرص الناس على مكثه عندها، فقالت لأمه آمنة: لو تركت ابنك عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، ولم تزل بها حتى تركته معها، فأخذته وعادت به إلى بلاد بني سعد، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك، ولما كان بعض الأيام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخيه. الرضاع، خارجاً عن البيوت، إذ أتى ابن حليمة أمه وقال لها: ذلك القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه وشقا بطنه، فخرجت حليمة وزوجها نحوه، فوجداه قائماً، فقالا: مالك يا بني فقال: «جاءني رجلان فأضجعاني وشقا بطني». فقال زوج حليمة لها: قد حسبت أن هذا الغلام قد أصيب، فألحقيه بأهله. فاحتملته حليمة وقدمت به على أمه آمنة. فقالت آمنة: ما أقدمك به وكنت حريصة عليه، فأبدت حليمة عذراً لم تقبله آمنة منها، وسألتها عن الصحيح. فقالت حليمة: أتخوف عليه من الشيطان. فقالت أمه آمنة: كلا، والله ما للشيطان عليه من سبيل، إن لابني شأناً، وأخوة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع، عبد الله وأنيسة وجذامة وهي الشيماء غلب ذلك على اسمها، وأمهم حليمة السعدية، وأبوهم الحارث بن عبد العزى السعدي وهو أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاع.وقدمت حليمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد أن تزوج بخديجة، وشكت الجدب، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم لها خديجة، فأعطتها أربعين شاة. ثم قدمت حليمة وزوجها الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، فأسلمت هي وزوجها الحارث، وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مح أمه آمنة، فلما بلغ ست سنين توفيت أمه بالأبواء، بين مكة والمدينة، وكانت قد قدمت به على أخواله من بني عدي بن النجار، تزيره إياهم فماتت وهي راجعة إلى مكة، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني سنين، توفي جده عبد المطلب، ثم قام بكفالته عمه أبو طالب بن عبد المطلب، وكان أبو طالب شقيق عبد الله أبي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم خرج به أبو طالب في تجارة إلى الشام، حتى وصل إلى بصرى، وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ذاك ثلاث عشرة سنة، وكان بها راهب يقال له بحيرا، فقال لأبي طالب: ارجع بهذا الغلام، واحذر عليه من اليهود، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم، فخرج به عمه أبو طالب حتى أقدمه مكة حين فرغ من تجارته، وشب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ، فكان أعظم الناس مهرة وحلماً، وأحسنهم جواباً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم عن الفحش، حتى صار اسمه في قومه الأمين، لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة، وحضر مع عمومته حرب الفجار وعمره أربع عشرة سنة؛ وهي حرب كانت بين قريش وكنانة وبين هوازن، وسميت بالفجار لما انتهكت فيها هوازن حرمة الحرم، وكانت الكرة في هذه الحرب أولاً على قريش وكنانة، ثم كانت على هوازن، وانتصر قريش..سفره رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشام في تجارة لخديجة: كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب تاجرة ذات شرف ومال، وكانت قريش قوماً تجاراً، فلما بلغها صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمانته، عرضت عليه الخروج في تجارتها إلى الشام، مع غلام لها يقال له ميسرة، فأجاب إلى ذلك وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم الشام، ومعه ميسرة، وباع ما كان معه، واشترى عوضه، ثم أقبل قافلاً إلى مكة، ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال خديجة، وحدثها ميسرة بما شاهده من كرامات النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يشاهد ملكين يظلانه وقت الحر، فعرضت خديجة نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم فتزوجها، وأصدقها عشرين بكرة، وهي أول امرأة تزوجها، ولم يتوج غيرها حتى ماتت، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها خمساً وعشرين سنة، وكان عمرها يومئذ أربعين سنة، وكانت أيماً ولم يترج رسول الله فَي بكراً غير عائشة، وخديجة أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبقيت معه بعد مبعثه عشر سنين، وتوفيت قبل الهجرة بثلاث سنين.تجديد قريش عمارة الكعبةقيل لما مات إسماعيل عليه السلام ولي البيت بعده ابنه نابت، ثم صارت ولاية البيت إلى جرهم، قال عامر بن الحارث الجرهمي:ومنها: ثم إن جرهماً بغت، واستحلت المحارم، فأبيدوا، وصارت ولاية البيت إلى خزاعة، ثم صارت من بعدهم إلى قريش، وكانت الكعبة قصيرة البناء، فأرادت قريش رفعها، فهدموها ثم بنوها حتى بلغ البنيان موضع الحجر الأسود، فاختصموا فيه، لأن كل قبيلة أرادت أن ترفعه إلى موضعه، ثم اتفقوا على أن يحكّموا أول داخل من باب الحرم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول داخل، فحكموه، فأمرهم أن يضعوا الحجر في ثوب، وأن يمسك كل قبيلة بطرف من أطرافه، وأن يرفعوه إلى موضعه، ففعلوا ذلك، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وصوله إلى موضعه، فوضعه بيده موضعه، ثم أتموا بناء الكعبة، وكانت تكسى القباطي ثم كسيت البرود، وأول من كساها الديباج الحجاج ابن يوسف، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حين رضيت قريش بحكمه خمساً وثلاثين سنة قبل مبعثه بخمس سنين. .مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة، بعثه الله تعالى إلى الأسود والأحمر، رسولاً ناسخاً بشريعته الشرائع الماضية، فكان أول ما ابتدئ به من النبوة الرؤيا الصادقة، وحبب الله تعالى إليه الخلوة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور في جبل حراء من كل سنة شهراً، فلما كانت سنة مبعثه، خرج إلى حراء في رمضان للمجاورة فيه، ومعه أهله. حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله سبحانه وتعالى فيها جاءه جبريل عليه السلام فقال له: اقرأ. قال له فما أقرأ قال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} [العلق: 1] إلى قوله: {علم الإنسان ما لم يعلم} [العلق: 5] فقرأها. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى وسط الجبل، فسمع صوتاً من جهة السماء: يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبرائيل، فبقي واقفاً في موضعه يشاهد جبرائيل حتى انصرف جبرائيل، ثم انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، وأتى خديجة فحكى لها ما رأى، فقالت: أبشر فوالذي نفس خديجة بيده، إنفي لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة، ثم انطلقت خديجة إلى ورقة بن نوفل، وهو ابن عمها، وكان ورقة قد نظر في الكتب وقرأها، وسمع من أهل التوراة والإنجيل، فأخبرته ما أخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ورقة: قدوس، والذي نفس ورقة بيده لئن صدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى بن عمران، وإنه نبي هذه الأمة، فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة. ولما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره وانصرف، طاف بالبيت أسبوعاً، ثم انصرف إلى منزله، ثم تواتر الوحي إليه أولاً فأولاً، وكان أول الناس إسلاماً خديجة، لم يتقدمها أحد، وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية زوجة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد».
|